الجمعة، 5 سبتمبر 2008

عمرو خالد في: تخيلوا إحساس آدم وحواء عندما فقدا ابنيهما حين قتل قابيل وهابيل ثم هرب ولم يتب



الرئيسية arrow قصص القرآن مع عمرو خالد arrow عمرو خالد في: تخيلوا إحساس آدم وحواء عندما فقدا ابنيهما حين قتل قابيل وهابيل ثم هرب ولم يتب
عمرو خالد في: تخيلوا إحساس آدم وحواء عندما فقدا ابنيهما حين قتل قابيل وهابيل ثم هرب ولم يتب PDF تصدير لهيئة طباعة ارسال لصديق
04/09/2008

هل توقفت عن التدخين؟ هل توقفت عن أذي زوجتك؟ هل توقفت عن عقوق الوالدين والمال الحرام؟ هل اتقيت الله ليعتقك من النار؟ ويقبل منك رمضان؟!بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ.. نستكمل ما بدأناه.

قال تعالي: «واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا ويْلَتَي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)» (المائدة).

لنكمل قصة ابنيّ آدم: توقفنا حين قال قابيل لهابيل «واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا ولَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ...» (المائدة:27). أنا متعجب كيف استطاع أن يقول « لأَقْتُلَنَّكَ» لأخيه؟ كيف استطعت أنت أن تنظر في عين أخيك وتقول له: سأقاطعك لأنك لص؟ كيف استطعتِ أنتِ أن تنظري لأختك وتسبيها؟!


تخيلوا معنا إحساس آدم وحواء حين فقدا الاثنين؛ حين قتل قابيل هابيل هرب ولم يتب، وكانا في خضم الاستعداد لزواج أخت قابيل من هابيل والعكس، لا توجد مصيبة في الدنيا أصعب من فقد الابن، وهي أول أم تفقد ابنها في التاريخ. ماذا كان إحساس آدم؟ توجد في السيرة قصة حدثت في الإسراء والمعراج فيقول النبي: فصعدت إلي السماء الأولي، فطرق جبريل أبواب السماء الأولي:

فقيل: من؟

قال: جبريل.

قيل: ومن معك؟

قال: محمد بن عبد الله.

فقيل: أو أرسل له؟

قال: نعم.

ففتح لنا، فدخلتُ فرأيتُ رجلاً عن يمينه وشماله سواد (أناس كثيرون)، ينظر عن يمينه فيضحك، وينظر عن شماله فيبكي.

فقلت: من هذا يا جبريل؟

فقال جبريل: هذا أبوك آدم، ينظر عن يمينه فيري أبناءه الذين أطاعوه فيضحك، وينظر عن شماله فيري أبناءه الذين ضاعوا فيبكي.

أستطيع تخيل ألم آدم منذ فعلة ابنه.

«إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ»:

حينما قال قابيل لهابيل «...قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ» لم يعِ قابيل ـ بل وأغلب أمتنا- معني جملة: «إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ»، هذه القاعدة الربانية التي تقول إنك إذا أردت أن تعرف هل يتقبل الله أعمالك أم لا؟ انظر إلي نفسك هل تتقيه أم لا؟

مثال: هل تريد أن تعرف هل تقبل الله منك رمضان أم لا؟ انظر إلي نفسك هل اتقيته أم لا؟

هل توقفت عن التدخين؟ هل توقفت عن أذي زوجتك؟ هل توقفت عن عقوق الوالدين والمال الحرام؟ هل اتقيته ليعتقك من النار؟

قال عليّ بن أبي طالب: كنا نجتهد في رمضان، فإذا انتهي أصابنا الهم «هل تُقبِّل أم لا؟ «...إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ». التقوي هدف رمضان. «يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة:183).

ينادي الله تبارك وتعالي يوم القيامة: جعلتُ نسبًا وجعلتم نسبًا: قلت: «...إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...» (الحجرات:13)، وقلتم: فلان بن فلان خير من فلان بن فلان. فاليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي، أين المتقون؟

«وعظنا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوي الله....».

ماذا تفعل التقوي؟

ـ1ـ تغفر الذنوب: «يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ويُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ» (الأنفال:29).

ـ2ـ تُدخلك الجنة: «تِلْكَ الجَنَّةُ الَتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا» (مريم:63).

ـ3ـ تيسر لك أمورك في الحياة: «...ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا» (الطلاق:4).

ـ4ـ تفرج الهموم وتوسع الرزق: «...ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ...» (الطلاق:2).

ـ5ـ تنزل علي البلاد الفقيرة بركات من السماء: «ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَي آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ...» (الأعراف: 96).

هل البشرية الآن قابيل أم هابيل؟

لماذا كانت أول جريمة يسجلها القرآن القتل وليس الزني مثلاً أو شرب الخمر؟ كان خوف الملائكة من القتل: «...خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ...» (البقرة:30). فبعد كل هذه الحضارة، هل البشرية الآن أقرب لقابيل أم هابيل؟ يا أهلنا في العراق ولبنان ودارفور، من أنتم؟ قابيل أم هابيل؟ هل تربية العنف هي السبب؟ أحذركم من ضرب الزوجات والأبناء. إياك وأن تُعلم ابنك أن العنف هو الذي يولد القوة. من الممكن أن تكون أنت السبب في نشأة ابنك علي العنف دون أن تدري. لي صديق لديه ابن يبلغ من العمر 13عامًا، ذهب الابن هو وصديق له إلي النادي فوجدا باب حمام السباحة مفتوحًا، فأخذا كل المناشف وألقياها في الماء. فقال له الأب الصديق: ماذا حدث؟

قال الابن: لا شيء.

قال الأب: أنا أعرفك جيدًا، لقد فعلت شيئًا.

قال الابن: أأقول لك ولا تعاقبني؟

قال الأب: نعم؟

فقال الابن: لقد أخذت كل المناشف وألقيتها في حمام السباحة.

ففكر الأب أن الضرب لن يفيد ففكر في طريقة بديلة، فقال الأب: سنعود أنا وأنت للنادي الآن وسنجمع المناشف من الماء. وبالفعل ذهبا ليصلحا ما أفسده الابن. في طريق العودة لم يتكلم الأب مع الابن، وبكي الابن بكاءً شديدًا. هذه الطريقة أقوي من كل الضرب والعقوبات.

يا من تربون أبناءكم علي العنف، يا من تروجون أفلام العنف اتقوا الله! «لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ» (المائدة: 28).

أهدي هذه الآية لإخواننا في العراق وفلسطين ولبنان. يا من تؤذي زوجتك، يا من تؤذين خادمتك أريد أن أسألكما سؤالاً: هل هابيل جبان وسلبي؟ بالطبع لا.

هل سيترك هابيل أخاه ليدخل عليه ويقتله؟ نعم، لكنه قد يقتله! نعم، وقد قتله بالفعل. يقول النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: «من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد».

لكن عند الفتن- كالتي في بلادنا- يختلف الأمر؛ فالقتل لا يكون في الأرحام، ولا في الفتن لا ينبغي علينا القتل خاصة في الأرحام أو أثناء الفتن. إني أصرخ بأعلي صوتي: إلا الدم.

يا أهل دارفور، يا أهل العراق، يا أهل لبنان، يا عالم يا عربي، لو حدثت فتنة أكثر من التي نعيش فيها فلن توجد نهضة.

يقول النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: «إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي، والماشي خير من الساعي. قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي وبسط يده إلي ليقتلني، قال: كن كابن آدم» ثم قرأ النبي قول الله تعالي: «لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ...».

يقول النبي: «... فمن كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه...» وهذه ليست سلبية بل دعوة للاهتمام بالعمل لكي نكون مستعدين لنقوم بالنهضة. أين هابيل العراق؟ أين هابيل مصر؟ أين هابيل لبنان؟ أين هابيل دارفور؟ أتعلمون من هو هابيل المسلمين؟

عثمان بن عفان.. هابيل الصحابة:

حدثت فتنة في عهد سيدنا عثمان - هذا الرجل الذي يقول عنه النبي: «...رجل تستحي منه الملائكة»- مَن أراقوا دمه لم يستحوا!

أرسل سيدنا عثمان خطابًا لكل المدن يقول لهم:

«لأفرشن لكم عرضي، ولأبذلن لكم صبري، والله لا تطلبوا مني شيئًا أحققه لكم ليس فيه معصية لله إلا أجبتكم فيه»، فلم يردوا، فأرسل لهم خطابًا آخر قبيل الحج:

«من كانت له عندي مظلمة فليأتني أعطيه الحق مني أو من عمالي (أولادي) وعلي أجرته ذهابًا وعودة، ولا يخشي الشحناء، فهي ليست من طبعي»، فلم يردوا عليه.

وتحرك 3 آلاف ليحاصروا المدينة، ودخل عليه عليّ بن أبي طالب والزبير وطلحة وقالوا له:

«يا أمير المؤمنين، إما أن تلبس لبس الإحرام وتخرج محرمًا فلا يقتلونك، وإما أن تخرج من المدينة إلي الشام، وإما أن تأمرنا فنقاتلهم».

فقال لهم: «لا والله، أما لبس الإحرام فلا ينفع فهم يروني من الضلال فلن يتورعوا أن يقتلوني، وأما الخروج إلي الشام، أأهرب وأترك مدينة رسول الله؟! (أرأيتم أنه ليس بضعيف ولا سلبي؟) وأما القتل، فقال: أنا أقاتل في مدينة رسول الله؟! والله إن الفتنة دائرة دائرة، فطوبي لعثمان إن مات ولم يحركها، فليمت عثمان ولا يُراق دمٌ في المدينة.

فقال عليّ: لقد فعلت جهدي.

فدخل عليه سيدنا أبو هريرة ممسكًا سيفه، فقال عثمان: لما جئت؟

قال: جئت لأنصرك.

فقال سيدنا عثمان: اغمد سيفك، أتحب أن يُقتل الناس في مدينة رسول الله؟!

قال: لا.

قال: أعلمت أنه من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعًا؟!

قال أبو هريرة: وأنت؟

قال عثمان: وأنا يكفيني قول ابن آدم: «لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ...»، ثم قال عثمان لأبي هريرة: لقد قال لي رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: «يا عثمان لك الجنة علي المصيبة تصيبك»، فقال عثمان: وها أنا أصبر.

قبيل اغتياله- كان الذين يريدون الفتنة قد حاصروا سيدنا عثمان في بيته- رأي في المنام الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول له: جوَّعوك يا عثمان؟ أشعروك بالجوع يا عثمان؟

قال عثمان: نعم يا رسول الله.

قال النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: عطَّشوك يا عثمان؟ أشعروك بالعطش يا عثمان؟

قال عثمان: نعم يا رسول الله.

فقال النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: حاصروك يا عثمان؟

قال عثمان: نعم يا رسول الله.

فقال النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ: تصبر الليلة وتصوم غدًا وتبيت عندنا غدًا وتفطر عندي أنا وأبي بكر وعمر؟

فقال عثمان: نعم يا رسول الله! فاستيقظ يضحك. وكان له خادم فقال له: كنت قد شددتُ أذنك من قبل، فأشدد أذني وشُدَّ عليها، فإن قصاص الدنيا أهون من قصاص الآخرة.

قالت له زوجته: سيدخلون علينا البيت، أأخلع الحجاب لعلهم يستحون حين يرون شعري ويخرجون؟ فقال عثمان: والله لئن أُقَطّع قطعًا أهون عليّ من أن تُكشَف خصلة من شعرك. دخلوا عليه البيت، وقطعوه بالسيف وهو يقرأ من القرآن «...فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ...» (البقرة:137).

لحظة القتل:

«فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ» (المائدة:30)

كيف استطاع أن يطوع نفسه لقتل أخيه؟ يقول النبي: «تعرض الفتن علي القلوب كالحصير عودًا عودًا. فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء. وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء. حتي تصير علي قلبين، علي أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض. والآخر أسود مربادًا، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا...».

كيف جاءت له فكرة القتل؟ من الصيد ورؤية الحيوانات وهي تُقتل، لكن الحيوانات لا تقتل من جنسها فلا يقتل الأسد أسدًا آخر.

جاء إبليس لقابيل، وجاء بدابة وحجر وظل يضربها بالحجر في رأسها حتي ماتت لكي يعلمه كيفية القتل، فأخذ قابيل الحجر وهجم علي أخيه يضربه علي رأسه حتي أدمت رأس هابيل فندم قابيل.

في إحصائية بين المسجونين في جرائم القتل، سُئلوا: ما أول إحساس تشعر به عند رؤية القتيل والدم؟ قالوا: الندم. عندها يضحك الشيطان «...إنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ»(الحشر:16). ماذا خسر قابيل؟ خسر آخرته، فكل من قُتلوا ظلمًا في ميزان سيئاته إلي يوم القيامة. فهو أول من قتل في البشرية، تخيلوا الذنوب؟ تخيلوا أنه يحمل وزر كل من مات في الحروب ظلمًا؟ إياك أن تكون أول من سنَّ سنة سيئة فتحمل أوزار كل من فعلها بعدك. إياكِ أن تكوني أول من خانت زوجها. إياك أن تكوني أول من تزوجت عرفيًّا في عائلتك. قال رسول ـ الله صلي الله عليه وسلم ـ: «ما من نفس تقتل ظلمًا إلا كان علي ابن آدم الأول كفل من دمها ذلك بأنه أول من سن القتل».

خسر أخاه، واليد التي كانت تصلح معه، خسر أباه، ولم يتزوج فخسر الزواج، خسر الأمان. لقد كنت ذات مرة في الولايات المتحدة فزرت قصرًا عظيمًا به ستمائة غرفة، فعلمت أن صاحبته كانت تعيش وقت الحرب الأهلية في أمريكا وكان زوجها يبيع السلاح للطرفين فأصابها مرض الرعب - لأنها فقدت الأمان- فكانت تنام كل يوم في غرفة مختلفة لأنها كانت تعتقد أن أرواح القتلي ستأتي إليها فتقتلها، وقد ماتت في النهاية علي فراشها ولكنها خسرت الأمان.

لقد خلق الله الدنيا لك أنتَ:

قال الله: «...إنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» (البقرة:30)؛ لأنه مثلما هناك قتلة ومفسدون، فهناك هابيل وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد ـ صلي الله عليهم وسلم ـ، وهناك المصلحون. فكأنما خلق الله الأرض للمصلحين. فأنت إذا كنت ممن يصلحون في الأرض ويفعلون الخير فأنت من خلق الله الدنيا لك!

قتله ولم يدرِ ماذا يفعل بالجثة؟ لم يعلم الدفن حينئذ، فظل يبحث ماذا يفعل بالجثة؛ لأن معه أول جثة في البشرية. وبدأت رائحة الجثة تتغير، وبدأت الوحوش والطيور تحوم. أتعلمون أن من رحمة الله أن الجثة يتغير شكلها ورائحتها ولونها بعد الموت؟ لأنه إذا لم تكن تتغير، كان الناس ستحتفظ بها كنوع من الوفاء وكنا سنحيا حياة كلها كآبة. علمنا الله من الغراب الدفن لكي ننسي ونعيش حياتنا ونقابل موتانا في الجنة بإذن الله. توبة، بل ندم عجز لأنه لا يعلم نهايته، قتل أخيه ولا يعلم ماذا يجب أن يفعل بالجثة؟ إياك أن تفعل شيئًا لا تعلم عاقبته.

هرب قابيل وخسر آدم وحواء ابنيهما. هل تستطيع أن تتخيل إحساسهما؟ سل أُمًّا عراقية فقدت ابنها علي يد أخ له، سل أُمًّا فلسطينية فقدت ابنًا لها علي يد فلسطيني، وليس علي يد عدو له. لنذهب إلي سوريا مهد الحضارة عند جبل «قاسيون» الذي يحتوي - أغلب الظن- علي قبر هابيل. قبر الخير، قبر من كان يؤمن بصلة الرحم لا بقطعها، قبر من كان يحب الحق والعمران وليس الظلم والفساد.

لكن النهاية ليست تعيسة بل هي سعيدة، لنرفع من روحنا المعنوية؛ هذه القصة أتت لنا بأول شهيد؛ هابيل، وعوّض الله علي آدم وحواء بابن آخر الذي نحن من ذريته اسمه شيت، والذي أصبح نبيًّا، وأيضًا جاء إدريس عليه السلام من ذرية آدم. فرزق الله آدم شهيدًا ونبيين.

«واذْكُرْ فِي الكِتَابِ إدْرِيسَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) ورَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) أُوْلَئِكَ الَذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ...» (مريم: 56-58).

«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَي بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا...» (المائدة:32).

أي أنه من أجل الحفاظ علي البشرية، وكرامة الإنسان يا أهل العراق، يا أهل لبنان، لكي لا تحدث فوضي، هذه هي القاعدة القرآنية. يوجه الله تعالي الحوار للذين يريدون الفتنة والعنف والقتل إنه من حق الناس أن تعترض بإيجابية وليس بفوضي تؤدي إلي القتل.

رسالة اليوم:

ـ1ـ «...إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ...» أتعاهدونني أن نتقي الله في رمضان لنُعتق جميعًا من النار هذا العام؟

ـ2ـ رسالة للعراق ولبنان وفلسطين ودارفور:

لعل هذه الكلمة تصل إلي فردٍ واحدٍ فنأخذ ثواب ألا يقتل أخاه، أستحلفكم بالله أن تكونوا هابيل ولا تكونوا قابيل. «...لَئِن بَسَطتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ...». أستحلفكم بالله ألا تكونوا من المفسدين الذين يريدون الفتنة لأمتنا. تذكروا حديث النبي: «إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي... كن كابن آدم...» كن كهابيل.

لنقرأ الآيات ونستمع جيدًا للمعاني بها:

«واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إذْ قَرّ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ (28) إنِّي أُ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا ويْ النَّاسَ جَمِيعًا ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ولَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)»

Amrkhaled.netc جميع حقوق النشر محفوظة

يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كانت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخري فيجب أن يتم الحصول علي موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع

للاستعلام: management@daraltarjama.comهذا البريد محمى من المتطفلين , تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته

ليست هناك تعليقات: